آخر تحديث :الإثنين-13 مايو 2024-11:23ص

لبيك يا امرأة... قالها القائد فضل باعش

السبت - 09 مارس 2024 - الساعة 03:40 م

ناصر الوليدي
بقلم: ناصر الوليدي
- ارشيف الكاتب




وصل إلي نداء استغاثة من فتاة يتيمة وأمها الأرملة، امرأتان وحيدتان ليس لهن قريب ولا نسيب ولا معين ولا معيل، اللهم إنه كان لليتيمة أخ شاب قوي ذكي شجاع يتولى شؤونها وشؤون أمها، ولكن حصدته الحرب في مواجهة الزحف الحوثي عام ٢٠١٥م، فسقط شهيداً ليخلف وراءه أما أرملة وأختا يتيمة، تركهما لليتم والفقر والحاجة والعوز، ولم يجازه هذا الوطن الذي سفك دمه من أجله إلا بستين ألف ريال يمني تأتي شهرا وتنقطع أشهر.
وعلمي بهذه الفتاة أنها عفيفة متعففة، معتزة بنفسها وبأخيها الشهيد، ذات دين وقرآن، ومن الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
المهم في الأمر: أن هذه اليتيمة وجدت لها ولأمها الأرملة بيتا تأوي إليه في مكان لم يصله التيار الكهربائي، فلم يكن لها مناص من القبول بهذا الوضع، لأن البدائل مستحيلة في ظل وضعهما ووضع البلد المتخم بالجراحات والضياع.
وصلني نداء بحاجة هذه الشقة إلى منظومة طاقة شمسية متكاملة تكفيهن الظلام والحر والبعوض الذي يعانينه في شقتهن، وهذا الثلاثي (الظلام والحر والبعوض) هو أهم صور العناية التي تقدمها عدن لأسر الشهداء الذين قتلوا في سبيلها.
وصلني النداء كما تصلني نداءات شبه يومية لأبناء هذا الوطن المنكوب الذي طال عليه ليل الأنين، فكان هذا النداء حقه أن يقدم على أي معاناة أخرى، فنحن أمام حالة إنسانية جمعت كل أطراف العناء : اليتم والترمل والفقر والحاجة وغياب المعيل من الرجال، وجمع هذا أنها عائلة شهيد، تتجرع ثمرات تضحية وحيدها الذي ذهب مضرجا بدمائه تاركا أخته وأمه في بيداء مهلكة تكاد تتخطفهما عواصف رمال العناء والمرض والهلاك.
ولهذا كله:
كتبت رسالة أشرح فيها حال المرأتين، ولم أكن أتوقع أن يتأخر أي قادر على الفوز بهذه المنحة الإلهية، أرسلت الرسالة عبر (الواتس أب) إلى عدد من الوزراء والوكلاء والقادة والمسؤولين ورجال الأعمال والمحسنين.
ولكن .....
منهم من لم يرد، ومنهم من اعتذر بلطف، ومنهم من لم يتحمس، ومنهم من استكثر كلفة العمل..
وكررت الإرسال وانتظرت مدة ولكن لم أجد من يقول (أنا لها).
ثم عن لي أن أرسل هذه الرسالة إلى القائد اللواء فضل باعش قائد القوات الخاصة، رغم أنها لا توجد بيني وبينه معرفة، ولم نلتق قط حتى كتابة هذه السطور، فتواصلت مع بعض المحيطين به، أظنه مدير مكتبه أو رئيس عملياته، فوصلته الرسالة، ووعدني أن يعرضها على القائد في أقرب فرصة ممكنة، فلم تمر سوى ٢٤ ساعة حتى جاءني منه هذا الرد:
(اللواء فضل باعش. يبلغك تحياته ويقول لك. جزاك الله خيرآ. الدال على الخير. كفاعله، وطلب اختنا الارملة وابنتها بنتنا اليتيمة مجاب. فورآ. وباذن الله يوم السبت الصباح يتواصلو بك ويذهبو معك.... يركبو لهم الطلبات.) .....
وصلتني من مدير مكتبه هذه الرسالة وقد نسختها بنصها كما هي.
فقلت في نفسي: لله أبوك يا ابن دثينة لم تتردد ولم تتلكأ ولم تتأخر، وقلتها مدوية تليق بك وبقومك وبدثينة التي أنجبتك، لله درك يا ابن باعش، لقد قلت يا ابن الكرام (لبيك يا امرأة) لتفوز بهذه المكرمة العظيمة، وهكذا تلقيت راية المجد بيمينك لتنصبها في العلالي.
هيييه يا دثينة ما أخصب ترابك!! كلما ذهب كريم ونبيل وأصيل تنبتين آخرين لا يقلون عنه بل ربما يزيدون، هييييه يا دثينة ماهو السر المدفون في طينك، المغموس في مائك، المختلط بهوائك، المصهور في جبالك ؟!!!
الحاصل أنني تحركت صباح اليوم السبت فوجدت صاحب المحل ينتظرني وقد جهز كل الاحتياجات ومعه مهندسان لينفذا المهمة، وكل ذلك على حساب القائد فضل باعش، بل وجعل الطلب مفتوحا لتأخذ هذه اليتيمة وأمها كل ما يحتاجانه.
وأنا أكتب هذه السطور والمهندسان يتنقلان من سطح البيت إلى الجدران إلى السقوف كي يحولا ليل المرأتين إلى نهار وصيفهما إلى شتاء وبؤسهما إلى سعادة، ولكي ترقد المرأتان هذه الليلة في سلامة من الظلام والحر والبعوض، ولتصعد دعواتهما الصالحة إلى رب العرش الكريم محملة بكل أنواع الرجاء والخير لهذا القائد النبيل الأصيل ابن دثينة البار.
وللأمانة أن صاحب المحل أخبرني أن القائد فضل باعش يحيل إليهم الكثير من الحالات، بل قال لا يمر شهر إلا وهناك من يأتينا من طرف الفندم باعش في حاجات كثيرة، وربما تتكاثر عليه الطلبات ولكنه وفيا بكل إلتزاماته تجاهنا ، ولا يبالي بكثرة الطلبات، وأضاف الموظف قائلا: الفندم باعش له أعمال إنسانية وخيرية كثيرة ورجل رحيم القلب كريم النفس، لا تمسك يده شيئا، ولكنه يعمل بصمت وبعيداً عن الأضواء.
ياسلام ياسلام ....
كم تهزني هذه المواقف، وكم يتراقص قلبي طربا حينما أجد أنه في هذه الحياة لا يزال هناك رجال يحملون هذه الشيم ويعيشون بهذه النفوس الأبية.
حقا أن في الدنيا ما يستحق الحياة
ونيابة عن اليتيمة والأرملة أقول:
سلام الله عليك أيها القائد النبيل يوم ولدت وسلام على أم أنجبتك وأبا رباك وأرضا رعتك.
وجزاك الله خير الجزاء وجعل كل أعمالك في ميزان حسناتك يوم القيامة ونفع الله بك حيثما حللت كما تنتفع الأرض بالمطر، وكثر الله الكرام من أمثالك في زمن قل فيه الكرام.