آخر تحديث :الثلاثاء-14 مايو 2024-02:29م

في رحاب مكتبة خرد / تريم

الثلاثاء - 27 فبراير 2024 - الساعة 12:03 م

عبدالله سالم النهدي
بقلم: عبدالله سالم النهدي
- ارشيف الكاتب


منذ أن وصلت قبل أيام إلى مدينة تريم وابني الأصغر يصر أن يصطحبني للذهاب إلى ما يقول إنها (مكتبة خرد ) حاولت أن أتملص من الموضوع خصوصا مع الانشغالات التي تضيق الخناق على المرء هذه الأيام بحثا عن متطلبات الحياة المعيشية، وهَمّ ترقب المرتب الذي تأخر كثيرا هذا الشهر.
ولكن إصراره الدائم وبشكل يومي في النهاية انتصر، فقمت بتحقيق طلبه، وذهبت بصحبته وأخيه الأكبر منه إلى هذه المكتبة التي زَيَّنَا لي وصفها كما تُزَيَّنُ الفتاة لخاطبها. فقد كان عندهما علم عنها، بعد أن قاما بزيارتها مع أقرانهما من طلاب المعلامة ( الكُتَّاب) في المسجد الذي نجاوره في السكن، ويدرسان فيه بين مغرب وعشاء.
ذهبنا إلى المكتبة التي تبعد عن سكننا بمسافة كيلومترات، وتقع في الطابق الثاني من مسجد خرد في منطقة ( الخليف ) بمدينة تريم، منطقة يتسم طابعها المعماري بالنمط الطيني المشهور والمألوف في المدينة ككل.
المكتبة أسسها السيد عبد القادر بن سالم خرد سنة 1997 م، وقد رفدها بآلاف الكتب في العلوم الشرعية والفكرية والثقافية، كما توجد فيها المصورات لبعض المؤلفات القديمة، وتحتوي على ثلاثة مخطوطات أصلية.

وهناك مئات المجلات والدوريات قديمة وحديثة، والحوليات العلمية، وكذا مجلات الأطفال التي يسمح للأطفال بمطالعتها واستعارتها (وهنا كان السر وراء إصرار ابني على تعريفي بها والذهاب إليها).
كما أن المكتبة توفر خدمة بحث إلكترونية مجانية، وكذا تقدم خدمة إعارة الكتب والمجلات.
تفتح المكتبة أبوابها يوميا من بعد صلاة العصر إلى بعد صلاة العشاء ماعدا يوم الجمعة لا تفتح فيه.

دخلت إلى المكتبة برفقة صاحبَيَّ الرحلة (السالم والنبراس حفظهما الله) واللذَيْنِ ما أن دخلا باب المكتبة حتى هجرا صحبتي، وتقافزا إلى وجهتهما التي يعرفان طريقها جيدا، حيث تتراص مجلات الأطفال مثل العربي الصغير، باسم، براعم الإيمان، وغيرها.
بينما أنا استقبلني المشرف على المكتبة، وقام ليرشدني إلى محتويات المكتبة ويطلعني عليها، ويزودني بالمعلومات الوافية عنها. ثم تركني كي أتجول فيها.

لم تكن زيارتي إلى المكتبة هذه المرة مرتبا لها، لذا؛ اكتفيت بالمرور عليها، ومطالعة عناوين محتوياتها. لكني توقفت كثيرا عند أرشيف الصحف والمجلات القديمة، وشدتني المصورات للمجلات القديمة التي كانت تصدر في مدينة تريم والتي تعود إلى بدايات القرن الماضي، مجلات تناقش قضايا الفكر والأدب والصحافة في أسلوب أدبي رصين راق وفريد، وهذا في الحقيقة لم يدهشني، فتريم بلاد العلم والعلماء والفكر والثقافة منذ قرون، ولا عجب أن يكون رجالها على هذا المستوى من الوعي والثقافة، فهم من حمل مشاعل الفكر والثقافة والحضارة عندما كانت المنطقة العربية المجاورة برمتها تعيش في سبات.

انكببت أطالع محتويات هذه المصورات بشغف بينما كان الوقت يمضي- والزاد الذي في يدي كثير- فقررت أن أتركه الآن- ومثله لا يترك- واضعا في حسباني الرجوع إليه مرة أخرى قريبا ومتفرغا، لكي أنظر في هذا الإرث الثمين، والحديث عنه لاحقا باستفاضة، وقد طلبت من مشرف المكتبة أن يقوم بتجميع هذه لي وخصوصا أن هناك أخرى موجودة على الرفوف كما قال لي، مبديا استعداده لمساعدتي في الوصول إليها.
كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة والنصف، ومضى علينا ما يقرب من الساعة والنصف ونحن في المكتبة، ولدينا متطلبات أخرى يجب أن نحضرها من السوق بناءً على أوامر (الحكومة) في البيت، فالوقت لم يكن كله ملكنا، نظرت حولي باحثا عن صاحبَيَّ، فإذا كل واحد منهما منكب على مجلة يطالع فيها، فذهبت إليهما لأخبرهما بوجوب الرحيل، فاستجابا.
وأخذ كل منهما مجلة لاستعارتها ومطالعتها في البيت.
وغادرنا بعد أن قمنا بتوديع المشرف على المكتبة، والذي كان لطيفا وخلوقا، والابتسامة تكسو وجهه.