آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-07:05ص

أبناء فبراير في نكبتهم الثالثة عشرة

الأحد - 11 فبراير 2024 - الساعة 10:44 ص

مصطفى المخلافي
بقلم: مصطفى المخلافي
- ارشيف الكاتب



كتب/ مصطفى المخلافي

سأتناول في حديثي هذا مرحلة مختلفة أصابت اليمن وما زالت للحظة تتوالى علينا كوارثها ومصائبها التي لا تنتهي، ألا وهي نكبة فبراير التي تتلخص في كلمة "الانقلاب" وتتفيذ مخطط خارجي أصاب البلد بالشلل وأدخله في صراعات داخلية وإقليمية ودولية، ولا أعتقد أن المجال يتسع لتناول النكبة من مختلف النواحي، خاصة وأن معالم هذه النكبة واضحة للعلن وتكاد تكون أقرب للمرء الذي يقبع بالداخل ويعاني ويلات الأزمات والحروب وصراع القوى السياسية المتنفذة التي تؤسس لمرحلة جديدة يكون اليمن فيها بلا إرادة حقيقية وبلا أي قرار سيادي.

كان اليمن بلد متعدد الحزبية ويتمتع فيه الناس بسقف عال من الحرية، ونتيجة للظروف المُعقدة التي كانت تمر بها البلاد ذهب الإخوان وأبناء فبراير لركب موجة مخطط الربيع ونصب الخيام في شوارع البلاد وشل حياة المواطن اليمني الذي كان في حالة رفض تام للفوضى والموت والدمار التي شهدته أغلب محافظات الجمهورية وعلى وجه الخصوص العاصمة صنعاء وتعز، رفضًا للمؤامرة وللمخططات الخارجية، وقد قوبلت هذه النكبة بكمية رفض كبيرة جداً، مما ولّد هذا الرفض الشعبي جبهة شعبية لمواجهة هؤلاء ومخططاتهم القذرة، لدرجة أن حالة الرفض هذه شملت الكثير من محافظات اليمن وخروج الملايين في صنعاء وغيرها من المدن تأييداً لبقاء الدولة وتفويضها لمحاربة كافة أشكال البلطجة الحزبية وعسكرة الشوارع وتخندق الأحزاب فيها، التي حولت الشوارع لمتارس يتم من خلالها ترهيب المواطن واستهداف منتسبي المؤسسة العسكرية بالقتل وأحياناً بالخطف والإخفاء القسري.

لقد حولت نكبة فبراير شباب اليمن لمشروع نخاسة يبيع فيه المواطن نفسه، للإخوان بسبب الظروف المعيشية الصعبة أو للحوثي الذي ينكل بالشباب ويقودهم للجبهات كجذوع شجر متيبسة، تلتهمهم وقود الحرب ليعودوا إلى أهاليهم جثامين متفحمة لا يُعرف منهم سوى ملامح الخيبات وقهر السنيين، وأمنيات مؤجلة وعدتهم بها نكبة فبراير التي سرعان ما تلاشت فور تولى هادي للسلطة.

لقد أضاع الحادي عشر من فبراير مستقبل الشباب، وخصم سنين من أعمارهم، خسروا فيها دراستهم وطموحهم وعلاقاتهم الاجتماعية وأماكن لمتهم وتجمعاتهم، خسروا ضحكتهم، ووجدوا أنفسهم فجأة وبدون مقدمات في وجه المدفع، والدوشكا، أمامهم وخلفهم المتارس والقذائف تتساقط فوقهم من كل جانب، نزحوا للقرى تاركين خلفهم مدارسهم وجامعاتهم وذكريات عالقة بالأذهان، فلحقتهم الحرب لقراهم البعيدة، هاجروا لدول الجوار فعانوا ما عانوا من تبعات فبراير ولا مفر من شرهم يقول اليمنيين.

لقد فرق فبراير المشؤوم الأسر، وتواعد الأحباب على الانتظار وهم يعلمون يقيناً أن لا تلاقي قريب، وأن المرء قبل الحرب ليس بالضرورة أن يبقى إنسانا بعدها، فقد جرفت سيول فبراير أحلامهم وبعثرت رياح التغيير وعودهم بقرب الوصال وعودة الروح الوطنية لبلد كان مفعم بالحياة اليومية، هم يُراقبوننا فقط من عواصم أوروبا ودول أمريكا والخليج، وقد تلتقط أعينهم بعض الحروف والكلمات ولكنهم حتماً لا يتأثرون كما نتأثر نحن، مبتهجون بما حققوه من شلال دم وخارطة موت ما زلنا نحصد ضحاياها ونعد القادم ونبحث عن الراحة فيها.

أخاف جداً أن نفقد قيمة التفاعل بما حولنا، وأن تستمر حالة الصدمة تُقيد وعينا وتفقدنا إحساس تقطيع أوصالنا أو قتلنا، الصدمة هي التي تُسيطر علينا الآن وهي التي تحتاج أن نركلها خلفنا مستعينيين بقدرتنا الكاملة وبشحنة إرادتنا المكبوتة التي تحتاج أن تخرج للعلن، وهذا يأتي حين نقرر الخروج من دوامة التفكير السلبي إلى السباحة الحرة في مساحات واسعة من الإيمان بقدرتنا اليمنية الغير قابلة للكسر، ومن ثم نستطيع إيقاف هذا التدهور المريع على كافة الأصعدة، مع ضرورة فتح نوافذ للأمل بقيمتنا اليمنية وقيمنا التي زرعها فينا صالح الشهيد رحمة الله تغشاه، حينها سنقف في وجه الظلم ونلعنه تارة وتارة أخرى ندوس عليه.

في هذه اللحظات يحتفي الإخوان بنكبة فبراير، سماء تعز تتزين بالعار، فيما حصار المدينة يُمثل العار الأكبر لكل من خرج في وجه دولة الوحدة والقانون، تاركاً سقف بيته مكشوف للحوثي، هذا السقف الذي حافظ عليه صالح طيلة ٣٣ عام ولم ينكشف قط إلا بعد رحيله، ومع ذلك يحتفلون الليلة بجرح الكرامة وإستعداء الشرف الذي كان هو كذلك مصان في عهد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، من المعلوم بالضرورة أن اتباع فبراير يستثمروا في الأزمات والمشاكل، وإن أدى بهم الأمر إلى أختلاق الأزمات والمشاكل يختلقونها، فهاهم يستثمروا في وجع البلاد ويحتفون بالخراب ويرقصوا فوق كومة دمار.

ثلاثة عشر عام مرت على هذه النكبة اللعينة، وما زالت ثقافة الكراهية والحقد والإنتقام تُغذي عقول ذويها، وهي ثقافة مأزومة متأصلة بأيدولوجية الفكر الإخواني والخطاب المتأزم المبني على التحريض وأحكام الردة والكفر، ولذلك هذا الجزء من البشرية الغير سوي، لا يتقبل الآخر إلا ضمن مقاييسه ومعاييره ومصالحه، والتي أصبحت جزء أساسي ورئيسي من مُعيقات التطور الوطني بل والفكري، ونلاحظ أيضاً أن منهجية عيال فبراير منحرفة تماماً لأنها متأثرة بعقلية التخوين وإمتلاك الحقيقة لدرجة أن البعض يعتقد بأن من حقه قتلك وهذه تعتبر أعظم جريمة فكرية وسلوكية أحتكرتها هذه الجماعة لإختطاف البلد ومصادرة سيادته وحقوق شعبه وحرياته.