آخر تحديث :الأربعاء-15 مايو 2024-10:11م

اللغة العربية لغة القرآن الكريم بين الإنحسار والإحتضار

الأحد - 28 يناير 2024 - الساعة 09:40 م

مشتاق العلوي
بقلم: مشتاق العلوي
- ارشيف الكاتب





الحمد لله الذي جعل العربية لنا لساناً، وزادها شرفًا وجَمالاً وبيانًا، وأنزل بحروفها الذكر قرانًا، كرم الإنسان، وهَداهُ بالقرآن، وعلمة البيان، وبعث سيدنا محمدًا أفضح الناس لساناً وأجملهم بيانًاً، وهبه ربه جوامع الكّلم ففاق الناس فضلاً وجَمالاً فاللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين فهم في اللغة والبيان فرسانًا، أما بعد :
إن لكل لغة مكانتها عند أهلها وناطقيها،وكل قوم يفخر بلغته حتى ولو كانت
بدائية، فكل إنسان يبدع في لغته، فتتدفق المشاعر، وتتداعى الأفكار، وتنساب
الألفاظ،والذي يزيد ويرفع من مكانة اللغة، أي لغة هو إتساع رقعة نفوذها،
وكثرة عدد متكلميها، وإرتفاع الإقبال على أستعمال ألفاظها، وتتمثل قوة اللغة العربية في نفسها، وبلاغتها، ورقتها، وجمال
ألفاظها، وتفوقها أدبيًا، أو علميًا، أو دينيًا.
وللغه العربية مميزات لا توجد في باقي اللغات، فإستأثرها الله سبحانه وتعالى في تنزيل القرآن, فأنزل القرآن بلسان عربي مبين حيث يقول (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))
ويقول رب العزة ( قُرآناً عَرَبِيّاً
غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
ويقول سبحانه وتعالى:"
(وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً)
واللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة التي نفهم بها القرآن الكريم، وعليها يتوقف إستنباط الأحكام الشرعية،
وتنزيلها على الوقائع فهي الطاقة التي لا تنفصم، ولا تنفصل عن الطاقة
الشرعية في القرآن، وهي الوجه الآخر للعملة الواحدة.

وقد أدرك العرب هذه الخاصية وسمو السورة للغتهم العربية, وكانوا أكثر الناس وعيًا على القرآن وأحكامه وحتى الكفار منهم، ومن شدة اهتمامهم بها لم يتقاعس جيل من الأجيال عن التفكير والتدبر والتأليف في هذا الباب فصنفوا المجلدات والكتب التي لا تعد ولا تحصى في اللغة من نحو، وصرف، وبلاغة، وصياغة،
وشعر، ونثر، وخطابة,وحتى في أحلك العصور لم يخل من عالم كتب أو ألف في اللغة
العربية.
والغرب( اليهود والنصارى) وبعد تقدمهم المادي وإدراكهم قوة الإسلام وحيويته عكفوا على دراسة اللغة العربية كوسيلة وحيدة لفهم الإسلام والتي ظنوا أنه من خلالها
قد يصلوا إلى تقويض الإسلام وأحكامه أو نقد القرآن ولو من خلال لغته ,وهم بهذا كانوا قد أقروا عربية القرآن من حيث لا يدرون,فالقرآن الكريم نزل
بلسان عربي مبين,وهم بهذا قد حققوا قول الله تعالى ,حيث قال:" (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)
ويقول تعالى في سورة الشورى: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً).
والمستشرقون وإن تعلموا اللغة العربية فهم في أنفسهم أرادوا إظهار ضعفها وبيان عوارها، وبالتالي ضعف وعوار القرآن الكريم العربي اللسان, وهدفهم هو إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام ،
والعالم الغربي برمتة وبتنوع لغاته أدرك تمام الإدراك أن اللغة العربية هي لغة دين وفكر ,وهي كونها لغة الإسلام الأولى والوحيدة وبهيمنة الإسلام تهيمن اللغة العربية تلقائيًا أخذته العزة والغرور بلغته وكيف تهيمن لغة
القرآن؟,وخيّم على كل المستشرقين الحقد والغل على الإسلام ولغته...وقد ذكر
إدوارد سعيد في كتابه المشهور "الاستشراق" أن الهدف من الإستشراق هو
الهيمنة وإحكام السيطرة على بلاد المسلمين.
وقد نهج المستشرقون طرقًا متنوعة في الطعن باللغة العربية، ومحاولة إظهار
وهنها وضعفها وعجزها عن التعبير،
فلغتنا العربية تمتلك القوة والمقدرة، فلا غرابة ان يستهدفها اعداؤها، ويعبث بها المستعمر الماكر الخبيث بالتهجم تارة والتهوين من شأنها تارة، والسخرية منها ومن المشتغلين بها تارة أخرى، عبر وسائل إعلامهم وقصصهم ورواياتهم، حتى مع الأسف بتنا نعرف شعوباً عربية إسلامية لا تكاد تميز حرفهم العربي من الفرنسي، او الأنجليزي، وكذالك ان عدداً من المحلات والمتاجر تحمل عبارات أجنبية ولطالما حملت عبارات بذيئة ومشينة نضراً لاقصاء اللغة العربية،والحقيقة أن اللغة العربية مهددة بالإنقراض، وتشير الآراء التي تطرح حول أحتمال انقراض لغة الضاد إلى الازدواجية القائمة بين الفصحى والعامية، وعدم تمكنها من مواكبة العصر، إضافة إلى عدم اهتمام أهلها بها، اي الناس الذين يستخدمونها من مدرسين وموضفين.

وقد دارت سجالات ونقاشات كثيرة حول اللغة العربية منذ الربع الأخير من القرن الـ19، أبرزها الدعوة لاعتماد العاميات بدل اللغة العربية الفصحى والتي بدأها الألماني ويلهلم سبيتا في كتابه "قواعد العربية العامة في مصر " عام 1880.

وتابع هذه الدعوة مستشرقون آخرون بينهم ويليام ويلكوكس وكارل فلرس وسيلدون ويلمر، وعربًا بينهم: سلامة موسى ومنصور فهمي وجميل صدقي الزهاوي، وآخرون رأوا أن الفصحى لغة قديمة غير صالحة للعصر الحديث وغير قابلة للتطور.

كما اعتبروا أن العاميات العربية أكثر صلاحية ومرونة. إلا أن نخبة من شيوخ اللغة والأدب خالفوا هذا التوجه ومن بينهم عباس العقاد ومصطفى صادق الرافعي ومحب الدين الخطيب وآخرون.

فقد رأى هؤلاء أن الدعوة إلى استعمال العامية امتداد للدعوات الاستعمارية التي استهدفت وحدة الأمة العربية، مؤكدين أن العربية بسننها ونظام تكوينها ومرونة صيغها هي أكثر لغات الأرض قابلية للتطور، وأن العاميات العربية تتطور نحو الفصحى وليس العكس.


أعداد وتنسيق وترتيب
مشتاق العلوي ابو وعد