آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-08:09م

الحسد .. مرض نفسي خطير يهدم الأخلاق والبدن!

الأحد - 24 ديسمبر 2023 - الساعة 10:12 م

محمد عادل العمري
بقلم: محمد عادل العمري
- ارشيف الكاتب


الحسد مرضٌ نفسيٌ خطير، له آثارٌ سيئة تلحق الحاسد، وتُؤثر في صِلاته الاجتماعية، كما تُؤثر أسوأ التأثير في معاملته لمن  يحسده، حتى قد يُؤدي حسده لشخص من الأشخاص إلى أن يقتله، أو يُوقع به أضراراً شنيعة. وربما قد يتعدى ضرره فيلحق المُحيطين بالمحسود، والمُلتفين به سواء كانوا أقرباء أو أصدقاء أو أتباعا ..
والحسود في المجتمع يكون عامل هدم، وأداة إفساد وتخريب وتفريق، ولو بحثت عمّا يحدث بين الأقارب أو بين العاملين في مكان واحد، أو إدارة واحدة، أو بين الجيران وأمثالهم من الهجر والخصام والشقاق، ومن الغيبة والنميمة، ومن الشماتة عند المصيبة والفرحة عند نزول البلاء؛ لوجدت السبب الوحيد الذي يكمُن وراء ذلك كله هو الحسد!
والحسد لا يكون إلا بسبب نعمة أنعم الله بها على إنسان، فمن كره تلك النعمة وأحب أن تزول عن أخيه المُسلم فهو حاسد.. فالحسد تعريفه هو: أن تكره النعمة التي أنعم الله بها على غيرك وتُحب زوالها، ولو مُكّنت من إزالتها لأزلتها!
فإذا لم تكرهها أو تُحب زوالها، ولكنّك تشتهي مثلها؛ فإن هذه تُسمى "غبطة". وقد تتضمن المُنافسة.
فالحسد مذموم وهو حرام شرعاً، والغبط محمود.
_ والفرق بين الحسد والغبطة والمُنافسة:
الحسد: أن تُحب زوال نعمة أخيك المسلم بدون سبب شرعي لذلك، وهو حرام.
والغبطة: أن تُحب نعمة مثل نعمة غيرك من غير أن تُحب زوال نعمة غيرك، وهي محمودة.
والمُنافسة: أن تعمل على الوصول إلى ما وصل إليه أخوك المُسلم، أو إلى أن تسبقه في نعمة أنعم الله بها عليه، إلا أنّ المُنافسة تكون فيما هو داخل في قدرة العبد، وهي بذلك قد تكون واجبة كالمُنافسة في ترك المعاصي وفعل الواجبات، وقد تكون مسنونة كالمُنافسة في ترك المكروهات وفعل السنن، وقد تكون مُباحة كالمُنافسة في الأمور المُباحة مثل الدراسة والزراعة والصناعة والاختراع والاكتشاف وجودة العمل ..
وحرمة الحسد ثابتة بالكتاب والسنة، وهو من صفات الكافرين والمُنافقين وضعفاء الإيمان الذين لا يحتملون أن يروا نعمة الله على إخوان لهم في الدين!
والذي يقرأ قصة النبي يوسف مع إخوته يُدرك كيف يفعل الحسد بصاحبه! وكيف يُعمي بصره، ويُغلق عن الرحمة قلبه، ويدفع إلى الانتقام صاحبه!
قال تعالى فيهم:
{إِذْ قَالُوا۟ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ. ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ}(سورة يوسف آية ٨ - ٩)
وابن آدم الأول قتل أخاه بسبب الحسد الذي أكل فُؤاده، وأعمى بصره، وملك عليه مشاعره، فلم تهدأ نفسه حتى وجد أخاه جثة هامدة بين يديه، بينما أخوه الصالح كان يقول له قبل قتله:
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ}.(سورة المائدة آية٢٨)
إلى أن قال:
{فَطَوَّعَتْ لَهُۥ نَفْسُهُۥ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ}.(المائدة آية٣٠)
وأمر الله رسوله والمؤمنين أن يستعيذوا من أنواع الضرر، وذكر منها الحسد إذا ظهر أثره، وبدأ صاحبه يُكشر عن أنيابه وينتقم من المحسود، فقال تعالى:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ} (سورة الفلق آية ١)
إلى قوله:
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.(سورة الفلق آية ٥)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب] رواه أبو داوود والبيهقي
وقال مُعاوية(رضي الله عنه): كُل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها، ولذلك قيل:
كُل العداوة قد تُرجى مودتها
إلا عداوة من عاداك من حسد
وقال آخر:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
وللحسد مضارٌ كثيرة لخّصها العلامة الشيخ "ابن عثيمين" -رحمه الله- في أحد مُؤلفاته منها:
١_ أنّه اعتراض على قضاء الله وقدره، وعدم رضاً بما قدره الله؛ لأن الحاسد يكره هذه النعمة التي أنعم الله بها على المحسود.
٢_ أنّ الحاسد يبقى دائماً في قلق، وفي حرقة وفي نكد، لأنّ نعم الله على العباد لا تُحصى؛ فإذا كان كُلما رأى نعمة على غيره حسده وكره أن تكون هذه النعمة فلا بُد أن يبقى في قلق دائم.
٣_ أنّ الغالب أنّ الحاسد يبغي على المحسود؛ فيجمع بين الحسد وبين العدوان.
٤_ أنّ الحاسد فيه شبهٌ من اليهود الذين يحسدون الله على ما آتاهم الله من فضله.
٥_ أنّ الحاسد يحتقر نعمة الله عليه؛ لأنه يرى أنّ المحسود أكمل منه وأفضل؛ فيزدري نعمة الله عليه ولا يشكره عليها.
٦_ أنّ الحسد يدلُّ على دناءة الحاسد، وأنه شخص لا يُحبُّ الخير للغير؛ بل هو سافل لا ينظر إلا إلى الدنيا، ولو نظر إلى الآخرة لأعرض عن هذا.
_ فالحسد من الأمراض القلبية العظيمة حتى عده بعض العلماء من الكبائر، وهو ضرر على الحاسد في الدين والدنيا، وله آثاره الاجتماعية الخطيرة؛ لأنه يُشعل نار البغضاء، ويرفع راية العداوة بين الأقرباء والأصدقاء، ويمنع المُساعدة والمُعاونة بين الحاسد والمحسود، ويأكل قلب الحاسد حتى يُحيله إلى إنسان قاسي القلب، شرس الطبع، يبغي لغيره السوء، ويكره له الخير!
_ومن الأمور التي تُساعد في علاج هذا المرض الخبيث يجب اتباع الآتي:
_الرضى بقضاء الله وقدره، وبأخذ النفس باللوم وقهرها بالندم حتى يُحب الخير لغيره كما يُحب لنفسه.
_الحرص على ذكر الله والتضرع إليه بإخلاص وصدق؛ حتى يملأ بالنور قلبه، ويشرح للخير صدره، ويخرج من ظلمة الحسد إلى نور حب الخير لكل عباد الله.
_أن يُحكم نفسه عملياً، فلا يقول ولا يفعل شيئاً يؤذي محسوده أو يضره أي ضرر.
_أن يهجر البيئة التي تغريه بالإيذاء، والصحبة التي تنفخ في نفسه أسباب الداء.
وأخيراً نسأل الله أن يُجنبنا جميعاً هذا الداء الخبيث ..
والله ولي الهداية والتوفيق.

الأحد٢٤ديسمبر٢٠٢٣م