آخر تحديث :الإثنين-13 مايو 2024-01:11ص

من شهداء دثينة .. الفدائي البطل الشهيد محمد أحمد الحييد

الأحد - 24 ديسمبر 2023 - الساعة 02:33 م

ناصر الوليدي
بقلم: ناصر الوليدي
- ارشيف الكاتب


من أغرب الأمور في بلادنا أنك تجد المثقف والمتابع يعرف كثيرا من تفاصيل تاريخ البلاد من قبل الإسلام وما بعد الإسلام، ربما إلى مغادرة بريطانيا لعدن، ولكنه يجهل معظم حوادث التاريخ المعاصر، منذ خروج بريطانيا عام ١٩٦٧م إلى عام ١٩٩٠م، ولكنه يكاد يجهل أسماء أكثر من كان لهم دور مؤثر في تلك الأحداث، خاصة أن ذلك له ارتباط بالظروف السياسية التي عاشها الجنوب من بعد الاستقلال إلى الوحدة مع الشمال، وقد غمط كثير من الأبطال والقادة حقهم بعد أن ظن المنتصر بأنه هو من سيكتب التاريخ، معتمدا على هذه القاعدة التي يكذبها التاريخ نفسه، فالمنتصر لا يظل منتصرا على الدوام، والأيام دول وعجلة الحياة لا تتوقف.
ولهذا وجب على الكتاب والمثقفين والمؤرخين أن ينصفوا صناع الثورة وأبطال حروب التحرير، وأن يعيدوا كتابة التاريخ كما هو لا كما زوره المنتصرون، ولهذا لو سألت أكثر مثقفي دثينة هل تعرفون أو هل سمعتم عن البطل الثائر الشهيد محمد الحييد أو الشهيد عباس أو الشهيد الخضر ناصر المسودي أو الشهيد عبد النبي مدرم أو فلان أو فلان ممن يجهلم المثقفون دع عنك أجيال الشباب المولودين في العقود المتأخرة، فإنك لن تجد جوابا.
ورأيت أنه واجب علي أن أتتبع شهداء دثينة الذين كانت لهم مشاركات فاعلة في مقاومة الاحتلال البريطاني وطرده من البلاد.
ونقف اليوم مع أحد هؤلاء الأبطال الذين سطروا أشرف وأنبل المواقف في مواجهة الاحتلال.

إنه الشهيد *محمد أحمد الحييد*

عام ١٩٤٥م وفي مدينة مودية وبالضبط في المقبابة ولد البطل محمد أحمد محمد الحييد من أبوين صالحين ربياه على مكارم الأخلاق وجميل الشيم وحب التضحية في سبيل القيم التي يؤمن بها، وفي الكتاب(المعلامة) تعلم كغيره من أبناء زمنه القرآن الكريم ومبادي الدين والقراءة والكتابة ومبادي الحساب، فلما فتحت المدارس في ولاية دثينة التحق بمدرسة مودية الابتدائية ثم المتوسطة، ولأنه كان متفوقا وحسن السيرة والسلوك فقد عين مدرسا في نفس المدرسة بعد تخرجه من المتوسطة، كان  رحمه الله شابا رياضيا محبوبا شجاعا متفانيا في أداء رسالته التربوية.
اندلعت الثورة وشب لهيبها فطار ذلك المعلم وترك عمله ووظيفته وراتبه الشهري ليلتحق بالثوار في جبال فحمان، وكان قائد عمليات المنطقة الوسطى حينها الراحل محمد علي هيثم، وقد شارك الشهيد الحييد في معظم العمليات التي نفذها الثوار في المنطقة الوسطى، ولكن لهيب المعارك ومركز الصراع كان في العاصمة عدن، فهب الشهيد إلى قعر المعركة وفوهة الصراع ليلتحق بخلية (المهمات الصعبة) التي كانت تنفذ عمليات اغتيال ضباط المخابرات البريطانية، وتنفذ عمليات نوعية ضد الدوريات الإنجليزية، وكان من بين فدائي هذه الخلية الشهيد عباس طاحل والشهيد الخضر المسودي والشهيد عبد النبي مدرم .
رأى الثوار أنهم بحاجة إلى تدريبات خاصة فأرسلوا الحييد إلى القاهرة لتلقي بدورة مكثفة في عمليات الصاعقة، ليعود بعدها إلى عدن مواصلا عملياته الفدائية، وقد أصيب في ذراعه أثناء تنفيذه عملية فدائية في منطقة البريقة، وكانت هذه العمليات الفدائية ومثيلاتها في طول البلاد وعرضها سببا في مغادرة بريطانيا للبلاد ونيل الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام ١٩٦٧م .

*بعد الاستقلال* 
اختير قحطان الشعبي رئيسا للبلاد كأول رئيس للجنوب بعد الاستقلال وتشكلت الحكومة وكان نصيب محمد علي هيثم حقيبة وزارة الداخلية وعين الشهيد محمد الحييد مرافقا عسكريا لرئيس الجمهورية ومن ثم قائدا للحرس الجمهوري.
وبدأت تظهر التناقضات داخل تنظيم الجبهة القومية بين التيار العروبي الوطني الإسلامي وبين تيار اليسار، وكان الشهيد الحييد معارضا بشدة لليسار ومعه محمد علي هيثم وعشال وآخرون كثر،وقد سجل للشهيد الحييد أنه أبدى توجسه من تدفق أعضاء الجبهة الوطنية من الشمال وتمكنهم من مناصب مهمة في الدولة تحت رعاية محسن وعبد الفتاح، بل وكان له موقف معارض قبل الاستقلال لتعيين محسن مسؤولا ماليا للجبهة القومية، ولهذا برز الخلاف بين التيارات وأخذ يتصاعد مع محاولات رأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وكان محمد علي هيثم يقول نحن جيران الكعبة كيف نرضى بهذا الفكر المستورد والغريب على بلدنا وشعبنا.
عام ١٩٦٩م ارتكب الرئيس قحطان غلطة الشاطر فأقال محمد علي هيثم من وزارة الداخلية، ورفضت قيادة الجبهة القومية القرار وعقد اجتماع الرئيس وقيادات الحبهة القومية علها تقنع الرئيس بالعدول عن قراره، ولكنه أصر على رأيه فاتخذت الجبهة القومية قرارها بإقالة الرئيس من منصبه، وكانوا يتخوفون من رفض الحييد لقرار إقالة الرئيس لأنه كان يحاصر بقواته دار الرئاسة، إلا إن تعيين محمد علي هيثم رئيسا للوزراء شجع الحييد على قبول قرار إقالة الرئيس، وتعيين سالمين رئيسا للبلاد، واستمر الحييد قائدا للحرس الجمهوري، ولم تهدأ الأمور لأن اليسار وإن أطاح بالرئيس المعتدل قحطان الشعبي إلا إن وجود رجل قوي ومتعلم في رئاسة الوزراء لن يساعد اليسار على استكمال سيطرته على البلاد، وترامت الأنباء إلى قائد الحرس الجمهوري أن هناك محاولة لتصفية هيثم من قبل قيادة الجبهة القومية فأرسل الحييد رسالة شديدة اللهجة للرئيس يؤكد له فيها أن أي يد ستمتد إلى هيثم فإنها سوف تقطع، وهكذا تصاعد الخلاف مما أدى إلى خروج محمد علي هيثم ومغادرته للبلاد في أغسطس عام ١٩٧١م وشكلت حكومة جديدة يرأسها وزرائها علي ناصر محمد تحت قيادة الرئيس سالمين وعين محسن وزيرا لأمن الدولة.
وتمكن اليسار من مفاصل الدولة بعد خروج قحطان وعشال وهيثم وبلعيد والسياري وغيرهم، وبدأت مرحلة التصفيات، فاعتقل معظم ثوار ١٤ أكتوبر وعلى رأس هؤلاء المعتقلين قائد الحرس الجمهوري الشهيد محمد أحمد الحييد، وقدم للمحاكمة هو ورفاقه أحمد ناصر الرباش ومحمد عمر معجم وأحمد أبوبكر الشيبة، وطالت الاعتقالات والاغتيالات أكثر مناطق البلاد وخاصة المنطقة الوسطى.
وجرى تنفيذ حكم الإعدام في الحييد ورفاقه عام ١٩٧٢م في محاكمة هزلية حكم فيها القاضي عليهم بالسجن لمدة ١٥ سنة ثم جاءته قصاصة ورق ليعدل الحكم في الحال إلى الإعدام.
وبعدها بمدة يسيرة جرى اختطاف شقيق الشهيد الحييد الأكبر الحسين الحييد الذي كان يعمل في مطار عدن وأخفي خبره وقبره إلى اليوم.
رحم الله الشهيد البطل محمد أحمد الحييد وأخاه ورفاقه الأبطال وأسكنهم فسيح جناته.
خلف الشهيد وراءه ولدين،
والأخ الأصغر للشهيدين محمد والحسين هو الحسن أحمد محمد الحييد مدير المنطقة الحرة اليوم.

*وبعد*

فتلك أمة قد خلت وذهب معظم الفرقاء إلى الله وسيلتقون عند حكم عدل يحكم بينهم يوم القيامة.
ويبقى التاريخ للعبرة والعظة حتى لا تتكرر الأخطاء، ووظيفة المؤرخ أيضا تسجيل الأحداث كما هي حتى تحفظ في سجلات كتب الأجيال كما كتب تاريخ الدول منذ زمن سبأ وحمير وأوسان.
ولله الأمر من قبل ومن بعد

وتابعونا للوقوف على قصة شهيد آخر من شهداء دثينة.