آخر تحديث :الثلاثاء-21 مايو 2024-09:20ص

وطن المغترب منفاه

الأربعاء - 02 أغسطس 2023 - الساعة 07:30 م

جاكلين أحمد
بقلم: جاكلين أحمد
- ارشيف الكاتب


بعد عمر يقضيه المغترب في المنفى ينمو لديه شعور لايمكنه تجاهله أو حتى التعايش معه، شعور ينمو معه ويكبر كلما مرت به الأعوام، وتقادمت به الحياة. 

فهو لم يعد بإمكانه العيش في بلاده بعد العودة إليها بسبب شعوره أنه لم يعد له مكان فيها، فقد فاته الكثير من الأشياء، والأحداث، والذكريات. حدثت جميعها ولم يكن هو فيها، ولم يكن في ذكرياتها حتى، فيشعر أنه غريب عن كل مايدور حوله، غريب عن وطنه وأهله وحتى عن حياته التي تركها على أمل العودة إليها يوما.

يحاول جاهدا أن يبذل قصارى جهده ليتأقلم ويتماشى مع أمواج حاضره وعواطف المحيطين به، يحاول أن يصبح جزءًا من حياة المحيطين به بعد أن غاب عنها عمرا، لكنه في الحقيقة غالبا ما يصاب بالإحباط عندما يفهم أنه لايمكن له أن يعود إلى حياتهم إلا كضيف لمدة محددة، ويبقى بالنسبة لهم ذلك الضيف مهما طالت مدة بقائه بينهم ففي نظرهم هو القادم المغادر. يفشل في أن يجاري كل أحداثهم ومشاعرهم و احتياجاتهم بكونه جزءًا منها. 

لكنه بمقابل ذلك يفشل أيضا في العيش في غربته عن الوطن، وبذلك الشعور الذي يخبره دائما أن هذه الأرض ليست أرضه وهؤلاء المحيطون به ليسو أهله ولا أبناء وطنه. وأنه إنما هو عابر سبيل حتى إن تقطعت به السبل. 

تصبح تلك الأرض و أولئك الناس مجرد محطة في حياته، قد يغادرها، وقد يعيش فيها عمرا لايستطيع المغادرة.

لايمكنه ان يشعر بالانتماء إليها ولايشعر بالراحة عند مغادرتها، وهذا هو أسوأ أنواع العذاب النفسي والجسدي وهو إدمان عدم الاستقرار. 

فلا هو يستطيع العيش في وطنه بين أهله ويستقر، ولا يحب أرض الغربة ويشعر معها بالاستقرار.

 ويبقى عمرا يدور في فلك ألا استقرار، ألا أمان،  ألا وطن والا أرض، ليضمها وتضمه عند الوجع.