آخر تحديث :الخميس-09 مايو 2024-05:28ص

الإنسانية ورجال الدين

الجمعة - 07 أبريل 2023 - الساعة 05:42 ص

أزال الصباري
بقلم: أزال الصباري
- ارشيف الكاتب


الإنسان  مجموعة من القيم والأخلاقيات والمبادىء ، تترجمها أفعال عظيمة، إذا سقطت منه تلك المجموعة  بقي الجسد،  والجسد تركيبة حيوانية تتكون  مجموعة من الغزائر والشهوات والنزوات، بمعنى أن الأنسان إذا أسقط القيم  والأخلاقيات فإنه وبطريقة  مشحونة بالشر  يصدر أفعال حيوانية غير مسؤولة وغير مُتقبلة تحلق الضرر به وبالحياة حوله.

إذن فالإنسان بدون قيم ليس إنسان بالمفهوم المتفق عليه إنسانيا،  إنما حيوان يصدر أصوات مفهومة، أي حيوان ناطق، لكنه حيوان ناطق غير أليف، حيوان خطير، بل هو أشد خطورة من الحيوانات المفترسة،إذ لايمكنك اخذ الحيطة والحذر منه،هو  حيوان يفترس  دون أنياب، ويمزق دون مخالب، ويستخدم   اللغة التي ينطقها كرداء يميزه عن الحيوان الغير ناطق، إضافة للثياب التي يغطي بها قطع اللحم التي تكسو هيكله العظمي، لذلك جاءت الشرائع السماوية والوضعيه لتحد من ذلك الخطر المُتَخَفي، ولتقطع ذلك الشر، وتصحح مسار الحياة.

إذن الأديان هي ضوابط تُهذِب و تُسيِّر الحياة البشرية وتلبسها لباس الإنسانية، وترتقي بالإنسان ليصبح طاقة خَيِّره، تبني  ، ويد صالحة تشكل ملامح الحياة الأجمل،  لكن حين يتسلق الكائن البشري جدار الأديان ويستولي على ما وارء الجُدر، ويحتال على نصوصها ويخادع بها ليصنع لنفسه حصانه وقداسة شخصية، تمنحه حق السطيرة والهيمنة التي تسلب الآخرين حقوقهم، وتسلط خناجره على رقاب الضعفاء والمستضعفين ، حينها تتحول الأديان من قيم وضوابط  تحمي الإنسانية إلى انتهاكاك يمارسها الإنسان ضد الإنسان والإنسانية.

ذلك الإنسان هو رجل الدين الذي  يحول الدين من قيمة روحية روحانية  وقيم  تهذيبية إلى قوانين تحميه وتحمي مصالحه ومصالح  جماعته أو جنسه، أو عصبته، يستخدم رجل الدين الطرق المباحة والغير مباحة، ليحقق مقاصده والفائدة الكبرى، أو ليلبي أوامر الجماعة الأقوى  مقابل القليل من فتات الفائدة، وذلك ما يحدث غالبا منذ عصور غابرة وحتى اللحظة، التاريخ يقول ذلك ولا يمكن لأحد أن ينكر السطوة البشرية على التشريعات السماوية، والشواهد واضحة وكثيرة، ربما لو ذكركتم ببعضها لفتحتُ على نفسي أبواب الغضب وربما سيكفرني البعض، لأنه قد يعتقد أني أسيء للأديان في حين أنا أتحدث عن نماذج بشرية جلعت من هذا الدين أو ذاك وسيلة للتسلط الظالم  والسلطة الظالمة، وذلك اللبس الذي أخشاه تصنعه رجال الدين بكل دهاء.

حسنا النماذج كثيرة في الدين الإسلامي أو المسيحي أو غيرها من الأديان وماحدث في أوروبا من جهل وفقر ومجاعات وعصابات، وانقسامات طبقية خلال  عصور الإنحطاط هو خير دليل على أن الإنسان حين يستولي على السطلة الدينية ويبدأ بالتكسب منها ينتشر الظلم ويستبد القوي على الضعيف فتضيع الرسالة  السامية للأديان، ولم تنطلق أوروبا كقوة  أنسانية منتجة إلا حين تخلصت من تسلط رجال الدين ومن أوهامهم وخرافاتهم.

سيقول قائل "ما علاقة ذلك بإن الإنسان  حين  يفقد أنسانيته ويتحول لحيوان مفترس، الأمر بباسطة أن القيم والمبادئ  والضوابط الدينية التي تميز الإنسان عن الحيوان والتي تضبط وتربط  العلاقات الإنسانية بعضها ببعض هي نفسها- بعد تدخل البشر- التي تخلق الفوارق والفروق، وتأسس لعدالة  وهمية،  وظلم  مشرعن  وقوانين شخصية تنتهك القوانين العامة، ويصبح الدين حامي يحمي السلطة الدينية  سواء كانت تلك السلطة فرد أو جماعة،  حزب أو مذهب،حينها لابد أن تحاول  للجماعات المهمشة أو المظلومة  الحصول على حقوقها المسلوبة بطريقة إنسانية  أو بأخرى  شيطانية، لايهم المهم أن تستعيد حقها طالما قد فُقدت الطرق الشرعية للوصول،   في هذه الحالة تسقط مجموعة القيم والمبادئ وتُظلِم دائرة الأفكار النبيلة  وتبرز هيمنة الجسد بغرائزة وشهواته.

أخيرا من السبب في فقدان السواد الأعظم من الناس لإنسانيتهم، السبب هم جماعة من الناس  ينتصرون لأنفسهم بطرق غير شرعية يمررونها من باب شرعي، يلمعون ذلك الباب بالاحتيال على النصوص الدينية أو تحريفها وتزويرها، وفي كل الطرق يستغلون ضعف الإنسان أمام قداسة الأديان، متجالهين أن ذلك الضعف قد يتحول لغضب له أنياب ومخالب.

آزال الصباري